الأحد، 22 يونيو 2014

Awakenings 1990


Awakenings
دعوة لتأمُّل غرائب وعجائب شخصية الإنسان
 

 
نحن لا نعرف ما الذي نراه عندما ننظر إلى "ليونارد"، فقد نظن أننا نرى جماداً، أو رجلاً غريباً قد تم تجميده لمدة ثلاثين عاماً على نفس الوضعية. إنه لا يتحرك، ولا يتكلم!! ما الذي يدور في عقله؟ هل هو يفكّر؟ بالطبع لا!! هذا ما يقوله أحد أخصّائيي الأمراض العصبية في فيلم "الصحوات". لماذا؟ "لأنّ آثار ذلك المرض غير قابلة للتصوّر". آه، لكن هذا الخبير مخطئٌ تماماً، وداخل الغلاف الجامد لجسمه، "ليونارد" لا يزال هناك.. ينتظر.
"ليونارد" هو واحدٌ من مجموعةِ مرضى بمستشفى "برونكس" للأمراض العقلية، واتّضح أنّه لا يُمكن عمل شيءٍ من أجلهم، فقد كانوا ضحايا "مرض النوم العظيم"، وهو وباء انتشر في عشرينيّات القرن الماضي، وبعد فترة من الشفاء الواضح تراجعت حالتهم من جديد وذلك في عام 1969، والمرضى لديهم العديد من الأعراض المختلفة، ولكن في النهاية هم جميعاً يعيشون نفس المشكلة، حيث لا يستطيعون جعل أجسامهم تعمل وفق رغباتهم، وأحياناً ذلك الاعتراض يتجلّى من خلال سلوك فيزيائي غريب، أو من خلال عجزٍ واضح.
في أحد الأيام يأتي طبيبٌ جديد للعمل بالمستشفى، وليست لديه الخبرة في علاج المرضى، حيث أن مشروعه الأخير كان عن ديدان الأرض، ويبدو كغيره من الأطباء اليائسين من حال المرضى. يقوم الطبيب بالتحدّث مع إحدى المريضات، وهي تنظر إليه بجمود، ثم تقع نظارتها، ويرى كيف تكون ردّة فعلها في التعامل مع الموقف، من خلال محاولتها تحريك عينيها ويديها، ويكتشف الطبيب حالاً أنها لا تستطيع أن تتحرك وفق إرادتها.
هذا هو الاكتشاف العظيم في بداية فيلم "الصحوات"، الذي يمهّد لمَشاهد الفرح والحزن، وعلى الرغم من كون المرضى "يقظين" لحريتهم الشخصية والتي فقدوا كل الآمال بعيشها مجدداً، فقد وجدوا أن حريّتهم تأتي مع "قائمة شروطها القاسية".
الفيلم من إخراج "بيني مارشال"، وقد اقتُبِسَ من كتاب الطبيب البريطاني "أوليفر ساكس" الذي عاش القصة، ولعب دوره الفنان "روبن وليامز" والذي سُمِّي بالفيلم "مالكوم ساير". ما اكتشفه في عام 1969 كان دواءاً جديداً لعلاج مرض الشلل الرعاش، والفيلم يتبع 15 مريضاً من هؤلاء، وخصوصاً "ليونارد" الذي يؤدي دوره الفنان "روبرت دي نيرو" بإبداع وإتقان. الفيلم لا يهدف إلى إهدار دموع المشاهدين، بل يدعوهم لمراقبة عملية فحص بارعة لحالة إنسانية قاسية، والأمر يعود لـ "دي نيرو" بجعل "ليونارد" لا يبدو كأداةِ شفقة، بل كشخصٍ يجعل الجميع يتساءلون عن مدى غموض من حولهم.
المرضى يصوِّرون في هذا الفيلم أنّ معاناتهم أكثر فظاعة من الشخص الذي يوضع في تابوت وهو لا يزال حيّاً، فإنه سيختنق بسرعة وتنتهي معاناته، ولكن كون الشخص حبيس جسمهِ ولا يستطيع أن يتحرّك أو أن يتكلّم كما لو كان قطعة أثاثٍ مُهمَلة!! إنه ذلك المصير الذي رُفِعَ عنهم في صيف 1969، حين قام الطبيب بتجربة دوائه على المرضى، وفي حالة أشبه بالمعجزة، أجسامهم بدأت بالذوبان، واستطاعوا أن يتحركوا وأن يتكلموا من جديد، وبعضهم كان قد عاش 30 عاماً من الأسْرِ الذاتي.
الفيلم يراقب "ليونارد" من خلال مراحل صحوته، فقد كان ولداً محبوباً إلى حين تمكّن المرض من التوغّل فيه وبقائه في المستشفى طيلة ثلاثة عقود، وفي عقده الرابع تنبعث إليه الحياة من جديد ويشعر بسعادة غامرة لقدرته على الحركة والتعبير عن نفسه، ويتعاون مع الأطباء في دراسة حالته، ويجد نفسه منجذباً لإبنة أحد المرضى، والحب يحرّك مشاعره للمرة الأولى.
الطبيب "ساير" هو الشخصية الرئيسية في أغلب المشاهد، وهو سجينٌ أيضاً، بالخجل وعدم الخبرة. هذا الدور هو واحدٌ من أروع أدوار "روبن وليامز". قدّم شخصية رجل جدير بأن يُحَبّ في هذا الفيلم، والذي حَظِيَ بعيش تجربته الرائعة بمشاهدة المرضى الجامدين وهم يرقصون ويغنّون ويحيّون أحبّاءَهم مرّة أخرى.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، ليس بعد الأسابيع الأولى. المرض ليس قضية تُفتَح وتُغلَق، ومع تكشّف ستار الفيلم، نكون مدعوّين لتأمُّل غرائب وعجائب شخصية الإنسان. من نحن بطبيعة الحال؟! إذا كان الشخص يائساً، ماذا يجب أن يفعل؟ أن يبقى يائساً أم أن يُعطى أملاً ثمّ يخسره من جديد؟؟
حصل الفنان "روبرت دي نيرو" على ترشيح لجائزة الأوسكار بعام 1990 لأفضل ممثل عن أدائه الرائع لشخصية "ليونارد"، وترشّح الفيلم أيضاً لجائزة أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس. نقل لنا الفيلم الشجاعة الهائلة للمرضى والتجربة العميقة للأطباء، وبطريقة ما شهدوا جميعاً تجربة جديدة.. تجربة أن تولد من جديد، وأن تفتح عينيك وتكتشف أنّك حيّ.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق