الأحد، 22 يونيو 2014

Confessions 2010


Confessions

خطّة انتقامٍ جهنّمية تقلب الشخصيات رأساً على عقب

 

إنّه ذلك الشعور النادر الذي يجعل الأمر مبهجاً حين تقومون بإنقاذ بعض اللحظات من فيلمٍ غرق في بحر التألُّق. إنّه غامضٌ ومُربك. فيلم "اعترافات" الذي أنتج بعام 2010 هو حرب نفسية مليئة بالإثارة، ويعالج مواضيع تتعلّق بالعدالة الشعرية والانتقام، والتي تُقدَّم ببرود تام على نغمات متوازنة من الشر المدمّر. استعدّوا لأن يتم اصطيادكم بصنارته الطويلة من البداية ولغاية ثلاثين دقيقة، قبل أن تصل الأمور إلى حالة تأهب كامل لرحلة عنيفة تقشعر لها الأبدان مع شخصيات قوية مليئة بدوافع منحرفة في جميع الأنحاء.

أخرج الفيلم "تيتسويا ناكاشيما" وكذلك كتب النص السينمائي باقتباسه من رواية لـ "كاناي ميناتو". القصة ستنوّمكم مغناطيسياً بعرضها لوجهات نظر من شخصيات متعدّدة، وكل الشخصيات تتداخل بشكل جوهري مع بعضها الآخر، وجميعهم يقعون تحت أسر الفيلم الذي نفِّذ بأسلوبٍ أنيق.

سترون أموراً لم تخطر في بالكم قط وأنتم تشاهدون فيلم إثارة كهذا، وذلك المشهد التمهيدي في الصف الدراسي وحده يستحق المشاهدة مراراً وتكراراً، بتنسيق أسلوب التباين الصوتي فيه إلى الكمال، حين نجد معلّمة لا تستطيع السيطرة على صفّها، وكيف تحاول وبلا مبالاة أن تفعل ذلك لغاية انفجار القنبلة التي أحدثت صمتاً تلقائياً مصحوباً بخوف شديد.

المعلمّة تدعى "يوكو"، والتي قُتلت ابنتها على يد طلّاب محدّدين في صفّها الدراسي. بدلاً من تحدّي حكم القضاء ومعرفتها التامّة أنّ القاصرين يحميهم قانون العقوبات في البلاد، تقوم بإعداد خطة جهنمية تقلب الصف الدراسي رأساً على عقب وتضع الطلّاب وسط دوامّة من الشكوك، بل وأيضاً تضربهم على الوتر الحسّاس، وتراقب الأمور برويّة وتستغل نقاط ضعفهم. ربّما تكون هذه أفضل طريقة يتّبعها من يريد التعامل مع شرٍ لا يوصف.

هذا الإجراء في خطّتها يشكّل الجزء المتبقّي من الفيلم والذي يُروى من وجهات نظر مختلفة بأسلوب يقوم على سلسلة من الاعترافات الشيّقة، ومن هنا جاء عنوان الفيلم. الشخصيات تدرس للوصول إلى الكمال، والملاحظات الاجتماعية تمتزج بذكاء حول هِستيريا المراهقين الضالّين في وقتنا الحاضر، ورغبتهم الشديدة في إثبات وجودهم وكسب اهتمام الغير، وأن يكون الفرد منهم أعلى من الجميع.

الأمهات يشاركن في اللعبة، والفيلم يثير فكرة في هذا الجانب من الطبيعة البشرية، وهي عامّة جداً. أمٌ تفقد ابنتها وأخرى تصرُّ على دفاعها الأعمى ضد الاتّهامات التي توجّه لابنها. من منّا لا يعرف قوة حب الأم وإلى أي مدى ستصل لحماية أبنائها؟؟ هنا نرى فاجعة مريرة ألمّت بمعلّمة وكيف تقودها للانتقام البارد، ويصبح كل من حولها كقطع الشطرنج وهي لها مُطلق الحريّة بتحريك أيّة قطعة وفق إرادتها.

حرص المخرج على جعل المُشاهد ملتصقاً بكل ما يظهر في الشاشة والشكر موصول للمصوّر المبدع الذي اختار بعدسته أروع اللقطات لهذا الفيلم، مدعوماً بموسيقى مميّزة تعزّز الجو البصري الغامض. لقد وقعتُ تحت تأثير مجموعة من المَشاهد بالحركة البطيئة والتي استخدمها الفيلم ببراعة. إنّها تجلب إحساساً غريباً بالإيقاع الهادئ الذي يخون كل السواد الذي يغمر النغمات والغموض الذي يتخمّر باستمرار في القصة.

لا يوجد هناك أي مشهد ضائع أو معزول، فكل المَشاهد تحرّك القصة نحو الأمام بشكل جذّاب، وتجعلنا نخمّن ما سيحدث من مفاجآت، ونرتبط بصمت مع العدالة بأي شكل تتّخذه، حتى وإن كنّا غير قادرين على ذلك بما أنّ الإجرام بدأ من الأطفال. للمذنبين منهم، تختار المعلّمةُ العقابَ الذي سيكون له صدى عميق في جميع مراحل حياتهم، والواضح جداً أنّه طريق طويل للغاية.

طاقم التمثيل من المراهقين هو المسيطر في الفيلم. لقد قدمّوا أدوارهم بشكل رائع، ولا يمكن لأحد أن يتصوّر الأفكار التي تدور في أذهانهم من خلال تقمّصهم شخصيات هي أساساً مضطربة عقلياً وغير سليمة لفعل ما فعلوه. العنف قد يكون مقلقاً لأصحاب القلوب الضعيفة، ليس لأن هناك مَشاهد دموية، بل السيكيولوجيا النفسية ستجعلهم يزحفون على جلود المجرمين ورؤية الأمور من وجهة نظرهم المضطربة.

الفيلم الياباني "اعترافات" هو دراما انتقامية، ومثلما تشتد الروابط بين الضحايا والمجرمين، تتصاعد الأحداث إلى نهاية رائعة تقشعر لها الأبدان. "أنا أمزح فقط!!!".. ما هي الهاوية التي تكمن وراء هذه الكلمات؟ لا أحد صافي القلب، والبشر هم أغرب المخلوقات حقّاً. المخرج العبقري "تيتسويا ناكاشيما" لم يضف ملعقة سكّر لفنجان قهوته السوداء، ومع ذلك نشربها ولا نشعر بمرارتها. إنّ في تلك المرارة حلاوة لا يشعر بها إلّا من يتذوّق الفن.

تستطيعون البقاء في جحيمكم الخاص، بينما الشمس تشرق في مكان آخر، والأشجار ترقص مع الريح والأزهار تتفتّح، وطلّاب المدرسة يركضون وهم سعداء لأنّ عطلة الربيع قد بدأت. كم هو عالمٌ جميل، وكم هو بشع لو بحثنا فيه جيّداً.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق