Atonement
محاولة التكفير عن خطأ فادح دمّر حياة ثلاثة
أشخاص!!
المشهد الافتتاحي رائع جداً بالمرح الطائش،
وهو إثبات لنظرية أنّ قمّة سعادة الإنسان قد تحققت بالعيش في منزل ريفي إنجليزي في
فترة الحروب. بالتأكيد هذه النظرية صحيحة تماماً بالنسبة للقاطنين في الدور العلوي
أكثر ممن هم في الدور السفلي. نقابل "سيسيليا تاليس" الابنة الكبرى
للعائلة، و"روبي ترنر" الابن الواعد لمدبّرة المنزل، والمتخرّج حديثاً
من جامعة "أوكسفورد"، والفضل يعود لكرم وسخاء والد "سيسيليا".
على الرغم من الاختلاف في الطبقة الاجتماعية، إلاّ أنهما منجذبان بقوّة تجاه
بعضهما الآخر، ويجمعهما ذلك اللقاء بالقرب من نافورة حديقة المنزل الذي يقود إلى اتّهام
بالتحرّش الجنسي.
هذا اللقاء شوهِد من نافذة الطابق العلوي.
إنّها "برايوني" شقيقة "سيسيليا" الصغرى التي اعتقدت أنها رأت
"روبي" يسيء معاملة شقيقتها بطريقة غير مهذّبة. نرى المشهد نفسه من منظور
"روبي" و"سيسيليا"، وندرك أنّه يكشف عن تعبيرهما الأول للحب
المشترك، لكن "برايوني" تسيء الفهم، وكونها معجبة بـ "روبي"
هي الأخرى وقيامها بقراءة رسالة سريّة واعتراضها على اللقاء الخاص بالعشيقين، يصل
غيظها واستيائها إلى التفوّه بـ "الكِذبة" التي تُرسِل "روبي"
إلى خارج نطاق "سيسيليا".
تلعب دور "سيسيليا" الفنانة
البريطانية "كيرا نايتلي" بأسلوب مذهل، وتتحدث بالفعل بلهجة الطبعة
العليا التي تبدو كحوار العرض المسرحي الراقي. إنها جميلة جداً، رشيقة جداً، شابّة
جداً، و"روبي" قد يكون عاملاً في الأرض والحقول، لكنه ذكي جداً ويحبّها
حقاً. إنهما "يستحقّان" بعضهما.
اقتُبِس الفيلم بإخلاص من رواية الكاتب
"إيان ماك إيوان"، وهو واحدٌ من أفضل الروائيين الأحياء، والذي سمح في روايته
أن يُظهر نتائج السلوك الانتقامي لـ "برايوني" خلف الكواليس، وتمر
السنوات ونعيش الأيام الأولى للحرب العالمية الثانية. "روبي" تم تجنيده
وإرساله للقوات في فرنسا. "سيسيليا" الآن تعمل ممرضة في لندن، وكذلك
"برايوني" التي أصبحت الآن في الثامنة عشرة وتحاول التكفير عمّا أدركته
بعد فوات الأوان، فقد استوعبت للتو أنّ ما فعلته كان خطأً فادحاً. هناك لقاء واحد
فقط يجمع بين الأبطال الثلاثة في لندن، والذي يوضح ما خسروه جميعاً.
الفيلم يتنقّل بعشوائية جميلة للماضي
والحاضر، بين الحرب في فرنسا وبين التفجيرات في لندن. كل فترة زمنية من الفيلم تخضع
لشروطها الخاصة، من ثم تخضع لمستوى أعمق، كالتلاعب بالمصير الذي حُكِم عليه بقسوة
قرب النافورة في ذلك اليوم الصيفي الجميل. الأمر يتحقق فقط في نهاية الفيلم حين
نرى "برايوني" روائية مسنّة تقوم بكشف الوقائع حول القصة التي أدركنا
نحن مجرياتها تماماً، وكم كان من الغباء أن تواصل رحلة الغدر والخيانة بـ
"سيسيليا" و"روبي" وبنفسها أيضاً.
محتوى رواية "ماك إيوان" وهذا
الفيلم الذي أخرجه المبدع "جو رايت" قاسٍ جداً وعديم الشفقة. كم مرّة
شاهدنا فيلماً يسحرنا ويأسرنا في كل لحظاته، ثمّ في النهاية يتشكّل سؤال حول كل ما
جرى في الماضي؟؟ أقصد السؤال الذي يجبرنا على التفكير بعمق حول ما قد نورثه حقاً
من "الغدر" و"الكفّارة"!!
فيلم "الكفّارة" من أروع الأفلام
الإنسانية، وكاتب النص السينمائي "كريستوفر هامبتون" استطاع أن يقتبس
الرواية بشكل رائع وأن يُظهر فصولها بسلاسة فائقة، ولا ننسى الممثلين المبدعين
وعلى رأسهم الفنان "جيمس ماكافوي" الذي لعب دور "روبي" بإبداع
وأنا أعتبره أجمل أداءٍ له في السينما، وكذلك الممثلات الثلاث الذين قدمن جميعاً
دور "برايوني" بمراحلها العمرية المختلفة، "شوسا رونان"
و"رومولا غاري" والفنانة المخضرمة "فانيسا ريدغريف".
"شوسا رونان" في دور "برايوني" الصغرى ترشّحت لنيل جائزة الأوسكار
لأفضل ممثلة مساعدة، وقد استحقت ذلك لأنّ أداءها كان مذهلاً للغاية. "داريو
ماريينيلي" هو أكثر المبدعين في الفيلم، فقد أضاف إحساساً جميلاً ومؤلماً
بموسيقاه الرائعة الخلاّبة التي كانت عنصراً رئيسياً في المَشاهد، واستخدم في
موسيقاه أصوات الآلة الكاتبة وكان بالفعل أمراً مبتكراً وجميلاً.
حصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل موسيقى
تصويرية بعام 2007، وترشّح لنيل 6 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس
وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل تحرير صوتي.
المخرج "جو
رايت" في تجربته الإخراجية الثانية بعد فيلمه الرائع "كبرياء وتحامل"،
عاد مجدداً مع كادره الفني ومع الرائعة "كيرا نايتلي" ليقدمّوا تحفة
فنية. في رواية "ماك إيوان" وجد "رايت" قصة يصعب تقديمها
ونهاية تأسر عيوننا بآثارها. هذا الفيلم يستحق المشاهدة.
عرض مشوق، سلمت
ردحذف