Life of Pi
تجربة روحية شاعرية تدعو إلى التفكير والتأمّل في أعماق الحياة!!
فيلم "حياة
باي" للمخرج التايواني المبدع "أنغ لي" هو إنجاز مبهر في السرد
القصصي والبراعة البصرية، وقد تم اقتباسه من كتاب حقّق أعلى المبيعات، وأغلب
القرّاء لم يتوقعوا تحوّل مادته القصصية إلى فيلم سينمائي. إنه فيلمُ انتصارٍ على
المصاعب، وأيضاً هو تجربة روحية تدعو إلى التأمّل. عنوان الفيلم يمكن أن يُختَصر إلى
عنوان آخر، وهو "الحياة".
تدور القصة حول
الـ 227 يوماً التي قضاها فتى مراهق وهو منجرف عبر المحيط الهادئ في قارب نجاة مع
نمر بنغالي شرس. إنهما يجدان نفسيهما معاً في نفس القارب بعد مقدّمة تمهيدية
مسلّية وملوّنة، والتي في حد ذاتها يمكن أن تنطلق لتكون فيلماً عائلياً ممتعاً. في
لحظة الصعود إلى القارب تتحول القصة إلى قصة صراع من أجل البقاء وقبول الآخر
والتكيّف. أتصوّر أن الجميع دُهِشوا بمشاهدة هذا الفيلم، وعلى رأسهم الكاتب الكندي
"يان مارتل" الذي ألّف الرواية، فقد أُتيحت الفرصة له وللمشاهدين كي يشاهدوا
تحفة بصرية شاعرية ليس لها مثيل.
يفتتح الفيلم
مشاهِدَه في حديقة حيوانات صغيرة بقرية "بونديشري" في الهند، وبطل القصة
هو "بيسين" ابن مالك الحديقة. بترجمة اسمه من الفرنسية إلى الإنجليزية
يصبح المعنى "حوض سباحة"، ولكن أغلبية السكّان في الهند يتكلمون
الإنجليزية أكثر من الفرنسية، فيطلق عليه زملاؤه بالمدرسة الاسم المستعار
"بي"، والذي يعني "البول" بالإنجليزية.
يصمم بطلنا الصغير
على وضع حدٍ لذلك، فيقوم باتخاذ "باي" كإسم له، وهو رمز يستخدم في المسائل
الحسابية، ويبدأ بكتابة الرمز على اللوحة الخشبية بالفصل، ويحل المسائل التي تبدأ بقيمة 3.14 ولا تنتهي
أبداً. إذا كان "باي" هو عدد غير محدود، سيكون اسماً مناسباً جداً
لبطلنا الذي يبدو أنه يقبل القيام بكل شيء دون حدود.
تتعرض حديقة
الحيوانات لأزمة مالية، فيقرر والد "باي" مغادرة الهند والذهاب إلى كندا
على متن سفينة كبيرة مع زوجته وولديه، ويقوم بشحن الحيوانات أيضاً. بعد سلسلة
أحداث مؤسفة، نلتقي بـ "حمار وحشي" و"قرد" و"ضبع"
و"نمر" في قارب النجاة مع "باي" والأمواج تجرفهم إلى وسط
المحيط.
إنّ
"باي" المسكين في وضع لا يُحسَد عليه، والفيلم يرفض بقوّة أن يُشعِرنا
بالحب والعطف تجاه النمر الذي يُدعى "ريتشارد باركر". هناك مشهد حاسم
بحديقة الحيوانات في بداية الفيلم يبيّن أنّ الحيوانات المفترسة هي حيوانات حقاً
ومفترسة حقاً، وهو بمثابة تحذير للمشاهدين وخصوصاً الأطفال كي لا يقعوا في خطاً
التفكير بأنّ هذا نمر أفلام ديزني.
قلب الفيلم يركّز
على الرحلة البحرية والتي يمكن للإنسان من خلالها أن يفكّر ببراعة شديدة، وكذلك
النمر يمكنه أن يتعلم. لن أفسد عليكم كيف تحدث تلك الأمور، فالاحتمالات تثير
الدهشة. ما أذهلني حقاً هو الاستخدام المميّز للمؤثرات الثلاثية الأبعاد، فلم
أشاهد هذه التقنية تستخدم على نحو أفضل من هذا الفيلم، ولا حتّى في فيلم
"أفاتار"، فلم يستخدمها المخرج من أجل المفاجآت والرعب، بل من أجل تعميق
الشعور نحو مواقع وأحداث الفيلم. الممثل الشاب "سُراج شارما" قدّم
أداءاً مميّزاً في ظهوره السينمائي الأول لشخصية "باي"، وكذلك باقي
الممثلين أبدعوا في أداء أدوارهم.
حاز الفيلم على 4 جوائز أوسكار لأفضل
إخراج وأفضل تصوير وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مؤثرات بصرية، وترشّح لنيل 7 جوائز أخرى لأفضل فيلم
وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل أغنية وأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع وأفضل تحرير
صوتي وأفضل مؤثرات صوتية، وذلك بعام 2012.
الفيلم يجمع بين
التقاليد الدينية المختلفة بهدوء لينعش قصّته التي تدور حول عجائب الحياة. كم كان
رائعاً أن نقابل كل تلك الحيوانات والطيور والأسماك، والأروع هو انتقالنا إلى
الجزيرة العائمة المليئة بالأسرار. قام "أنغ لي" بعمل مبهر في خلق الجو
الشاعري الذي يدعو للتفكير والتأمل في كل عجائب الحياة وأسرارها. كتب النص
السينمائي المبدع "ديفيد ماغي"، والذي أتحفنا قبل سنوات بنصّه الرائع
لفيلم "العثور على نيفرلاند".
تلك
الجزيرة تثير التساؤلات. هي هي حقيقية؟ هل تلك القصّة حقيقية؟ أنا أرفض أن أسأل
هذا السؤال. فيلم "حياة باي" هو حقيقي كليَاً، ثانية بثانية، دقيقة
بدقيقة. في نهاية المطاف يتيح الفيلم لكل مُشاهد أن يتّخذ قراراً حاسماً. أنا
اتّخذت قراري بأنّ هذا الفيلم هو من أروع أفلام عام 2012.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق