Silver Linings Playbook
شخصيات معقّدة غير متّزنة تنظر إلى الحياة من الجانب الإيجابي المشرق
فيلم "الجانب
الإيجابي المشرق" هو فيلم يدور حول تعقيدات الحياة، وسيجعلكم تضحكون في أغلب
المَشاهِد، ولكن لا تتوقعوا أنكم تستطيعون تصنيفه ضمن نوع معيّن. إنّه فيلم درامي
وعاطفي لدرجةٍ تفطر القلب، ومع ذلك هو ممتع بطريقة خبيثة. يمتلك الفيلم خاصيّة
فنّية نادرة تؤهّله للمُضي قُدماً دون اكتراث بالعواقب التي قد تحدث جرّاء
التحوّلات الدرامية المتعدّدة في القصة والشخصيات، ويعود الفضل للمخرج الموهوب
"ديفيد أوراسل".
قبل عامين، قدّم
"أوراسل" فيلمه المميّز "المُقاتل" وقبله بأعوام فيلم
"ثلاثة ملوك"، وأثبت أنّه مخرجٌ بارع. نحن لا نراقب الحياة ببرودٍ في
أفلامه، بل نضطر لعيشها كاملة مع شخصياته، وهذا ليس أمراً سهلاً. قام أيضاً بكتابة
النص السينمائي بإبداع وإتقان، وقد اقتبسه من رواية جذّابة للكاتب "ماثيو
كويك".
تتمحور القصّة حول
شاب وشابة غير متّزنَيْن تتعرض حياتهما للعديد من المشاكل التي تصعب السيطرة
عليها. إنهما يصارعان بكل وسيلة كي يظّلا عاقِلَيْن. "بات"
و"تيفاني" بانجذابهما نحو أحدهما الآخر تتضاعف مشاكلهما ويصبحان أكثر
جنوناً مما هما عليه. يمرّ "بات" بعدّة تجارب عاطفية صعبة، والمخرج
"أوراسل" يرصد لنا ذلك بأحاسيس صادقة من خلال تصوير وضع الإنسان في تلك
اللحظات حين يشعر بالغرابة تجاه المنطق والخطر المحدق الذي يحيط به والشكوك
القاتلة، والأهم من ذلك الخوف من مفاجآت المستقبل.
نقابل
"بات" وهو يغادر مستشفى الأمراض العقلية بعد أن قضى فترة علاجه التي
استمرت لثمانية أشهر، وحين يعود إلى المنزل نجده مشوّشاً ولم يستوعب بعد سبب دخوله
إلى المستشفى، فقد انتباته وساوس نحو زوجته "نيكي". على الرغم من أنّ
أسباب رفض "نيكي" بالعيش مع "بات" قوّية ومقنعة بما يكفي لأنْ
تحمي نفسها بالابتعاد عنه وفق حكم قضائي، إلّا أنّه يرفض الرضوخ لذلك ويبقى
متفائلاً ويسعى لتحقيق نهاية سعيدة لحياته بأيّة طريقة.
في سعيه لاستعادة
زوجته، يقوم "بات" بمحاولة الاختلاط الاجتماعي بتلبيته دعوة جاره للعشاء
في منزله، وهناك يلتقي بـ "تيفاني"، وهي أرملة شابة لديها مشاكل عدّة
ناتجة من ظروف وفاة زوجها. بشكل غير متوقع ينجذب الإثنان لبعضهما وتتعقّد الأمور،
وقد تكون للأفضل أم للأسوأ.
الفنان
"برادلي كوبر" قدّم أداءاً رائعاً جداً لشخصية "بات"، وقد
تمكّن من الحفاظ على توازنه خلال التحوّلات الكثيرة التي تمر بها شخصيته المعقّدة،
وكذلك الفنانة "جينيفر لورانس" أبدعت هي الأخرى في أدائها لشخصية
"ستيفاني" التي لا تقّل تعقيداً عن "بات"، فقد جسّدت السعادة
والحزن والغضب والمرح في آنٍ واحد، وأشعرتنا حقّاً أنها مجنونة وغير متّزنة.
الفنان المخضرم
"روبرت دي نيرو" لعب دور والد "بات" بشكل مدهش، وهذه الشخصية
أيضاً غير متّزنة إن صحَّ القول، فوالد "بات" مهووس بمتابعة الأحداث
الرياضية والرهان عليها مع أصدقائه دون اكتراث بالخسائر المادية والمعنوية الفادحة
التي قد تودي به إلى الهلاك، والضحية الكبرى هي زوجته "دولوريس" التي أدّت
دورها الفنانة "جاكي ويفر" بشكل رائع ومميّز. إنّ "دولوريس"
هي الشخصية الوحيدة المتّزنة في الفيلم، وستشفقون عليها ما إن تتخيّلوا صعوبة
العيش مع زوجها وابنها.
فازت الفنانة
"جينيفر لورانس" بجائزة أوسكار لأفضل ممثلة عن دورها الرائع في هذا
الفيلم الذي ترشّح لنيل 7 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي
مقتبس وأفضل مونتاج وأفضل ممثل "برادلي كوبر" وأفضل ممثل مساعد
"روبرت دي نيرو" وأفضل ممثلة مساعدة "جاكي ويفر"، وذلك بعام
2012. كان الأمر مفاجئاً جداً بحصول الفيلم على هذا القدر من الترشيحات وخصوصا في
فئات التمثيل الأربع.
الحياة
عبارة عن "رقصة" في نظر البعض، و"لعبة" في نظر البعض الآخر،
وفيلم "الجانب الإيجابي المشرق" يرقص ويلعب على كل المشاعر الإنسانية ثم
يعيد تشكيلها لكي تتوافق مع الحياة الطبيعية المليئة بالتفاؤل. إنّه يجعلنا نؤمن
بالأشخاص الموهوبين الذين يعملون معاً من أجل تحقيق غاية نبيلة. لن نحصل على نهاية
سعيدة لحياتنا إنْ لم نتعايش مع الآخرين بالحب والإخلاص، والجنون أحياناً. سيظل
الفيلم محتفظاً بجانبه المشرق لأنّه من أجمل الأفلام الواقعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق