Nicholas Nickleby
حين يكون "العم سكروج" ملاكاً مقارنة بـ "العم رالف"
"نيكولاس
نيكيلبي" هي الرواية الثالثة للكاتب الإنجليزي "تشارلز ديكينز" بعد
روايتَيْ "أوراق بيكويك" و"أوليفر تويست". كل الروايات تتشارك
في احتوائها على العديد من الشخصيات الملوّنة والمختلفة. المخرج "دوغلاس
ماكغراث" الذي قدّم مسبقاً الفيلم الرائع "إيمّا" عام 1996 والمقتبس
من رواية الكاتبة "جين أوستن"، يعود من جديد إلى تقديم عمل أدبي كلاسيكي
رائع. الفيلم مبهج ومثير وممتلئ بالحياة.
قام المخرج ببعض
التشذيب الجاد، ولكن الناتج لم يبدُ مخفّفاً. هناك متّسع كبير لمراعاة شخصيات
أساسية كالسيّد "رالف"، عم "نيكولاس" المحب للانتقام والمسيّر
من قِبَل خادمه السكّير الخائن "نيومان نوغز". الفيلم يعطي الوقت الكافي
للسيد "ووكفورد سكويرز" وزوجته الذين يديران مدرسة داخلية ويعاملان
الطلاّب بقسوة بالغة. أكثر الطلّاب إثارة للشفقة هو "سمايك"، ويلعب دوره
الفنان الشاب "جيمي بيل" الذي أدّى دور البطولة في الفيلم الرائع
"بيلي إليوت"، وهنا يبدو مهمّشاً وأشبه بضحيّة حقيقية.
من ابداعات خيال
"ديكينز" هو إضافته لشخصيات مرِحة للحفاظ على توازن القصة وشخصياتها.
ممثّلو المسرح المتجول السيد والسيدة "كراملز" والأخوين "شيريبل"،
هي شخصيات ممتعة ووجودهم مهم في الرواية. الأخوان "شيريبل" ينقذان
"نيكولاس" بعد أن هرب من مدرسة "سكويرز" ويحوّلانه إلى ممثل،
وايضاً يتّضح أنّ "سمايك" البائس لديه موهبة في التمثيل. الأخوان
"شيريبل" هما محاميان ويوافقان على عمل أي شيء، خصوصاً أنّ
"نيكولاس" مستأجرٌ في مزرعتهم، وكل مشاكله قد حُلَّت، ورومانسيته
المستقبلية محفوظة من خلال علاقة غرامية مع "مادلين براي" التي يتحكّم
بها والدها المستبد.
"نيكولاس"
هو روح الرواية أكثر من كونه الشخصية الرئيسية، وعندما نشاهد الفيلم نتأكّد من
ذلك. إنّه الشاب الوسيم الضعيف الجاد، الذي يقودنا من خلال الفيلم بلقائه مع
شخصيات مهمة لا تُنسى، واحدة تلو الأخرى. أكثر فردٍ ملفت للنظر من عائلة
"نيكيلبي" هو بالطبع العم "رالف"، الذي يلعب دوره الفنان
المخضرم "كريستوفر بلامر" بدمٍ باردٍ جداً لدرجة أنني أرى العم
"سكروج" بطل رواية "أنشودة عيد الميلاد" ملاكاً مقارنة به.
"رالف"
يعيش فقط من أجل جمع المال. رأيه في الفقراء هو أنّ الفقر خطؤهم، ونتيجة لذلك هم
يستحقّون أن يكلّفوا بالعمل الشاق من أجل زيادة ثروته. يقوم ببيع
"نيكولاس" إلى تلك المدرسة المشؤومة، ويُسكِن والدته وشقيقته الصغرى
"كيت" في كوخٍ صغير. إنّ "كيت" فتاة جميلة، ولذلك هذا العم
الجشع يخطط لمكيدة خبيثة بتزويجها لرجلٍ دنيء يدعى "ملبيري هوك"، وذلك
بمثابة رد الجميل، باعتبار الأمر صفقة تجارية بينهما.
كادر الممثلين في
فيلم "نيكولاس نيكيلبي" ليسوا فقط رائعين، بل مثاليين جداً. كلُّ ظهور
شخصية من الشخصيات بمثابة قراءة صفحة أو أكثر من رواية "ديكينز"، وأوصاف
الشخصيات مطابقة تماماً للممثلين بالفيلم. هذا الأمر يتيح للمخرج التحرّك خلال
القصة بسهولة فائقة من دون مقدّمات شاقّة ومرهقة. إنّهم بالتأكيد ما هم عليه.
النتيجة هي فيلم رائع يستوفي الرواية بأكملها.
تصميم مواقع
التصوير مميّز جداً ومذهل، وتصميم الأزياء قمّة في الروعة. الأمر يذكّرني بفيلم
"عصابات نيويورك" للمخرج المبدع "مارتن سكورسيزي"، والذي يدور
في نفس الحقبة الزمنية، على الرغم من اختلاف بيئة القصة والمكان، إلاّ أن المواقع
والأزياء متماثلة نوعاً ما. لكن "لندن" أثقل من ناحية عراقة البناء مما
هي عليه في "نيويورك"، وأخف من ناحية الدماء في الشوارع. الفيلم يجعل
عالم "ديكينز" أكثر جاذبية مما هو عليه، وليس فقط الفيلم، بل كل
رواياته.
الفيلم تم إنتاجه بعام
2002 وترشّح لنيل جائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم، وقد استحقها حقاً. جميع الممثلين
أبدعوا وعلى رأسهم الممثل الواعد "تشارلي هونام" بأدائه لشخصية
"نيكولاس" بكل رقّة وإحساس، وكذلك الفنانة "آن هاثاوي"
بدور"مادلين". الفنانة "رومولا غاري" التي لعبت دور
"كيت" شقيقة "نيكولاس" أثبتت لنا موهبتها في تجسيد الشخصيات
الروائية والتاريخية بكل روعة وإبداع. المخرج "دوغلاس ماكغراث" هو نفسه
كاتب النص السينمائي الرائع، ولذلك كانت رؤيته الفنية للعمل مختلفة ومميّزة، ولا
ننسى مؤلفة الموسيقى التصويرية "ريتشل بروتمان" التي أضفت على الفيلم
لمسات جميلة ومؤثرة للغاية.
ما
ينعش القصة هو غضب "ديكينز" وقلبه الطيّب. رواية "أوراق
بيكويك" كانت أساساً عبارة عن سلسلة شخصيات فكاهية وهزلية، لكن في روايتَيْ
"أوليفر تويست" و"نيكولاس نيكيلبي" نراه يستخدم الخيال مثل
الصحافة ليعلن بالبنط العريض استنكاره الصريح من أولئك الذين يتغذّون من الفقراء
ويستغلّون العاجزين. الجميع قد يعتقد أنّ في عصر "ديكينز" كان يوجد من
أشباه العم "رالف" أكثر من آل "شيريبل"، ولكن
"ديكينز" استطاع أن يوصل للقرّاء من خلال رواياته أنّه لابد للخير أن
ينتصر على الشر مهما حدث. قليلٌ من "أوليفر" و"نيكولاس" كفيل
بالقضاء على الكثير من "رالف" و"فاغن"، والحياة تستمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق