The Man Who Wasn’t There
الرجل الذي لم يكن هناك كان هناك حقّاً، ويُدعى "إد كرين"!!
إنّه بالطبع لا
يشعر بمحنته بقدر المشاهدين، والمشكلة تكمن في كونه لا يُبدي أيّ احتجاج أو شعور
بعدم الرضا حول كل ذلك، على عكس جميع الأشخاص الطبيعيين. إنّه سعيد جداً بحياته
الروتينية الهادئة، ولكن لا تظل الأمور على حالها، حيث تأتيه فرصة لتغيير ذلك، عن
طريق رجل أعمال أصلع يُدعى "جون بوليتو" والذي يحتاج إلى تمويل لفتح
مغسلة كبيرة للتنظيف الجاف، ويقرّر "إد" الدخول في هذا المشروع التجاري،
حيث أنّه لا يملك شيئاً ليخسره. كون أحداث الفيلم تدور في أربعينيّات القرن الماضي
لن نستغرب من حماسة المجتمع في مشاريع مربحة كهذا المشروع خصوصا بعض تعرّضهم
للأزمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينيات.
المبلغ المطلوب
للتمويل هو 10000 دولار، و"إد" لا يملك هذا المبلغ لكونه يعمل حلّاقاً،
وكذلك زوجته التي تدير أحد المتاجر لا تحقق أرباحاً كافية، ولكنّه يعرف أين يمكنه
الحصول عليه. في الحقيقة، هو يعلم أنّ زوجته "دوريس" كانت تخونه مع ربّ
عملها المدعو "بيغ ديف بروستر"، وهو زوج صاحبة المتجر، وبما أنّ المنصب
الوظيفي لـ "بيغ ديف" يعتمد كلّياً على رضا زوجته "آن
نيردينجر"، يقوم "إد" بابتزازه بإرسال رسالة تهديد باسمٍ مجهول،
تنص على تزويده بالمبلغ المطلوب وإلا سيقوم بإخبار زوجته عن خيانته لها. بعد ذلك
تتعقّد الأمور بشكل غير متوقع.
بصمة الأخوين
المخرجين "جويل كووين" و"إيثان كووين" مطبوعة في كافة أنحاء
هذا الفيلم، إذ نشعر بالبراعة القصصية والأجواء المريبة والشخصيات المعقّدة والأهم
من كل ذلك النص السينمائي المبهر الذي قاما بكتابته على نحو مليء بالعبقرية
والتشويق، فالقصة لم تُطرح من قبل في السينما على الرغم من أهميتها وأثرها العميق
في حياة الإنسان.
يستخدم الحوار بعض
العبارات الساخرة ولكنّه لا يدفعنا للضحك على الشخصيات. "إد كرين" لا
يحتاج إلى شفقتنا بقدر تعاطفنا الحقيقي، فمحنته مألوفة لنا جميعاً إن تعمّقنا
قليلاً في حياتنا الخاصة. أنا أحياناً أشعر أنّي شبح.
الفيلم تم تصويره
بنظام الأبيض والأسود. التصوير السينمائي رهيب جداً بعدسة المبدع "روجر
ديكينز" ولقاء ذلك ترشّح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل تصوير بعام 2001. نهاية
الفيلم أشبه بلكمة خفيفة في البطن، ونشعر بالذهول والصدمة حين ندرك أنها النتيجة
المنطقية الوحيدة لكل ما حصل.
الفنان "بيلي
بوب ثورنتون" قدّم أجمل أداء في مسيرته السينمائية من خلال شخصية "إد
كرين"، فقد كان الشخص المناسب لتأدية هذا الدور بوجهه المتجهّم. لقد علمت أنّ
"ثورنتون" قَبِلَ بالمشاركة بالفيلم وتوقيع العقد قبل أن يقرأ النص
ويتعرّف على الشخصية، وذلك لثقته بجودة أعمال الأخوين "كووين"، كثقتنا
نحن تماماً، فقد قدّما لنا في عام 1996 الفيلم الرائع "فارغو"، وأفلام
لا تقل روعة لاحقاً مثل "قاتلو السيّدة" و"لا بلاد للمسنّين"
و"العزيمة الحقيقية".
الفنانة
"فرانسيس ماكدورماند" أبدعت هي الأخرى في أداء دور "دوريس"،
وكذلك الفنان "جيمس غاندولفيني" في دور "بيغ ديف"، ولا ننسى
الفنان "توني شلهوب" الذي لعب دور المحامي ببراعة. الاستخدام الجميل
للموسيقى الكلاسيكية يزيد من روعة الفيلم، والشكر يعود للشابة "بيردي
أباندوس" التي تدخل قلب "إد كرين" بواسطة عزفها الرقيق لسوناتا
"الشفقة" للعملاق "بيتهوفِن". أدّت دورها الفنانة
"سكارلِت جوهانسون" بشكل مميّز.
الرجل
الذي لم يكن هناك، هو نفسه الرجل الذي كان هناك، ولكنه لم يرَ أحداً، ولا أحد رآه.
إنّه الظل الأسود الذي يسير في الطريق ولا نشعر به. إنّه الصوت الهادئ الذي يروي
لنا خفايا القصّة قائلاً: "يتباطأ الوقت قبيل التعرّض لحادث، وأنا لديّ الوقت لأتأمل بعض الأمور. تأملت ما أخبرني به حانوتي ذات مرة، بأن الشَعْرَ يستمر في النمو لفترة بعد الموت، ثم يتوقف. أنا تساءلت، ما الذي يجعله يستمر في النمو؟ أهو مثل نبات في تربة؟ ماذا يخرج من التربة؟! الروح؟ ومتى يدرك الشَعْرُ أنها رحلت؟!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق