Kon-Tiki
مغامرة مدهشة مع المستكشف "تور هيردال" من "بيرو" إلى
"بولينيزيا"!!
لا شيء يجذب صانعي
السينما أكثر من قصة رجل يصارع عناصر الطبيعة طوال حياته، وقصة كهذه تسمح لنا
باختبار قسوة الطبيعة، وبالتالي تقودنا لرحلة مغامرات مدهشة هدفها الاستكشاف. فيلم
"كون تيكي" يقبل بهذا التحدّي من خلال قصة كفاح وتعطّش للعلم، لنشهد
تحفة سينمائية رائعة تشعرنا برعب حقيقي بتوغّلها لفِضول العالِم المستكشف "تور
هيردال" ورحلته المذهلة من بيرو إلى جزر بولينيزيا بعام 1947.
إنّه فيلم غنيّ
بشخصياته ومشوّق بالخطر القائم من المحيط طوال الرحلة الاستكشافية، ولا يخلو من
اللحظات الظريفة والممتعة، والأهم من ذلك هو فيلم إنساني لآخر الحدود باستعراضه
تجارب الاقتراب من الموت والحلم بالمستحيل والعزلة التامة في وسط المحيط.
المستكشف النرويجي
"تور هيردال" أمضى سنوات شبابه في بولينيزيا مع زوجته "ليف" وذلك
بسبب رغبته العميقة في دراسة المنطقة وكيفية نشأتها. حين يسافر إلى نيويورك لنشر
ما توصّل إليه من معلومات يجد أنّه لم يحقّق غايته ولا تزال هناك الكثير من الأمور
المبهمة. انهماك "هيردال" في أبحاثه واستكشافاته يتطلّب الكثير من جهده
ووقته، وذلك يؤثر بشكل كبير على علاقته بزوجته وأبنائه، فقد غاب عن منزله فترة
طويلة. يسعى الآن لإثبات نظريته التي تفترض أنّ بولينيزيا اكتُشِفت لأول مرّة من
قِبَل سكان بيرو، ويقرّر أن يقوم بالتجربة الخطيرة بتطبيق ما فعله
"تيكي" قبل زمن طويل.
"تيكي"
هو من قاد رحلة من بيرو إلى تلك الجزر حسب نظرية "هيردال"، وهو يريد
إثبات ذلك، فيخطط للإبحار من نفس نقطة الانطلاق عبر المحيط الهادئ على طوف مصنوع
من خشب البالسا، ويثق أن الرياح ستقوده من أمريكا الجنوبية إلى وجهته المحددة.
يجمع فريق من الخبراء ليرافقونه في الرحلة التي تستغرق 100 يوم حافلة بالتحدّيات
والأخطار مع وجود أسماك القرش وحالة الطقس المضطربة. بالرغم من ذلك يتشبّث
"هيردال" بحلمه وهو مدرك لكل ما يمكن أن يحدث له ولأصدقائه في رحلتهم
نحو المجهول.
ورد أن هذا هو
أكثر فيلم كلَّف إنتاجه في النرويج. المخرجان "خواكيم رونينغ"
و"إبسن ساندبيرغ" أبدعا بتقديم قصة صعبة وغمراها بالتشويق، فكم يصعب
تحقيق ذلك من حدث تاريخي اعتمد من الأساس على طوف خشبي، وأشخاص محدودين في مجال
ضيّق، ورحلة ممتدة نحو 3 أشهر.
مثل هذا الحدث
برؤية مختلفة سيصبح مملاً، ولكن النص السينمائي تمّت كتابته بطريقة مميّزة بعيدة
عن الإسهاب والتفاصيل الدقيقة، وخصوصاً حبكة الرحلة الاستكشافية التي كانت هي قلب
الفيلم، فقد أبدع كلٌّ من الكاتِبَيْن "ألان سكوت" و"بيتر
سكافلان" في صياغتها بأسلوب مذهل، فنشعر أننا نخوض مغامرة مدهشة وليست رحلة
علمية كما في الأفلام الوثائقية.
الفنان "بال
سفيير هاغن" قدم أجمل أداء لشخصية "تور هيردال"، فقد تقمّصها بعمق
ونقل إلينا أحاسيس العالِم، من الحيرة والخوف واليأس والطموح والفضول القاتل والاغتراب
عن الوطن والأسرة، والكثير غير ذلك.
بقية طاقم
الممثلين لعبوا أدوارهم بإبداع وإتقان، وكذلك طاقم الفنّيين من المصوّر والموسيقار
ومصمّم المواقع ومصمّم الأزياء ومسئول المؤثرات الصوتية والبصرية، فإن جهودهم ساهمت
بشكل كبير في جعل الفيلم بهذه الروعة. ترشّح الفيلم بعام 2012 لنيل جائزة الأوسكار
لأفضل فيلم أجنبي، ولكن للأسف لم يحالفه الحظ، مع العلم أنّه أفضل الأفلام
المتنافسة على الجائزة في رأيي الشخصي.
فيلم
"كون تيكي" هو مغامرة كلاسيكية تصمد بقوة "هيردال" وأصدقائه
وهم يتحدّون الصعاب حتى آخر لحظاتها. إنّها قصة عظيمة بقدر ما يتذكّرها التاريخ
وخالدة بقدر ما تُحييها السينما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق