La Vie En Rose
الحياة المشوّشة والمعقّدة للمغنية الفرنسية
"إيديت بياف"
قامت واحدة من النساء بتبنّيها إلى أن عاد والدها وأخذها معه لتساعده في أعمال
السيرك، ومن حسن حظ "إيديت" أنّها تعلّمت بعض الأغاني من خلال استماعها
لوالدتها ونساء الحي وهنّ يغنين، وفي ليلة ما في الشارع، حين كان عرض والدها سيئاً جداً، قال
لها: إفعلي شيئاً!! فقامت بالغناء، وكانت تلك لحظة ولادة "إيديت بياف".
"بياف" تعني العصفور باللغة
الفرنسية، وقد أطلق عليها الإسم معلّمها الأول "لوي ليبلي"، الذي وُجد
مقتولاً بعد فترة قصيرة، والأرجح أن قاتله هو شخص ظنّ أن "إيديت" من
أملاك "لوي" وهذا هو الحل لكي يمتلكها هو.
أصبحت "العصفورة الصغيرة" أشهر
مغنّية في عصرها، وكانت محبوبة من الجميع وخصوصاً الملاكم "مارسيل
سيردان" الذي وقعت في حبه، وقد دخلت في مشاكل كثيرة بإدمانها للخمور وحُقَن
"المورفين"، لدرجة أنها تأخذ 10 جرعات يومياً، وأثّر ذلك على شكلها
وأصبحت في حالة مزرية وتوفيّت في سن 47.
فيلم "الحياة الوردية" للمخرج
"أوليفييه دان" هو واحد من أفضل أفلام السير الذاتية التي شاهدتها والتي
تروي سيرة حياة "إيديت بياف" من خلال أداء أسطوري ومميّز للنجمة
الفرنسية "ماريون كوتييار" التي جعلها فنيّو التجميل تبدو كالمغنية
الحقيقية بواسطة فنون المكياج المتقنة جداً، ممّا حقّق للفيلم الفوز بجائزتَيْ
أوسكار لأفضل ممثلة وأفضل مكياج، وذلك بعام 2007.
كيف يمكن أن تُروى قصةُ شخصيةٍ مشوّشة
وفوضوية ومضطربة كشخصية "إيديت"؟ حياتها غريبة جداً، فالفرح والحزن
يبدوان متزامنين في كل لحظة من حياتها، وحُبّها المقسّم لزوجها والملاكم هو حب في
قمة الإخلاص ولكنّه هالك، فبعد أن تطلب من الملاكم "مارسيل" أن يسافر
إلى مدينة "نيويورك" من أجلها، تتحطّم الطائرة في حادث بمدينة "باريس"
ويلقى حتفه. انتصاراتها في المسرح تتناوب مع الإنهيارات، و"إيديت" كرّست
حياتها للغناء، فقد تعلّمت منذ أيامها الأولى ومن والدتها ووالدها ونساء الحي
ومعلّميها أنّه ما إن تقبض المال تؤدّي عملها.
حقّاً كانت مغنية رائعة، وصوتها نقيٌ وجميل،
وحين بدأت كانت مشكلتها التقطيع، ولا تستطيع التحكّم جيداً، ولكن بعد التدريب
استطاعت أن تؤدي أجمل الأغنيات التي لا تزال تلقى اهتمام جيلنا الحالي.
المخرج "أوليفييه داهان" والكاتبة
"إيزابيل سوبلمان" تجوّلوا بحرّية في صفحات حياة "إيديت". هي
لم تبدأ هنا أو تذهب هناك. هي كانت دائماً، في كل مرحلة من حياتها، العصفورة
الصغيرة، حتى قبل أن يُطلق عليها الإسم، والمَشاهد تتنقل بسرعة بين مراحل طفولتها
ولحظات مرضها، وبين التصفيق واليأس، وبين الفرح والحزن، وتحديداً في مشهدِ آخر
زيارة لـ "إيديت" يقوم بها الملاكم "مارسيل"، والذي أعتبره شخصياً
أروع مشهد في الفيلم والأكثر تعبيراً عن انقلاب الأمور من حالٍ إلى حال.
خط سير الفيلم كان مميزاً جداً، غير أنّ
الكثير من الأمور يغلب عليها التعتيم - بشكل سريع: كم مرة تزوّجت
"إيديت"؟ - فكروا بالأمر بهذه الطريقة!! حيث أنه لا توجد مَشاهد للزواج
في الفيلم. ألَيْسَ الأمر أكثر دقّة عند رؤية الأزواج والأصدقاء والمعجبين وكل
الجماهير يحومون حولها كالدوّامة وهي في جالسة في الوسط؟؟ نعم.. سيبدو الأمر أكثر
دقّة ووضوحاً، ولكن تذكّروا أننا نتحدّث عن حياة "إيديت" فقط، التي لا
شيء في حياتها علّمها الإعتماد على الإلتزام والإخلاص، فقد اعتمدت على الغناء والكحول
والحب الهالك والمورفين.
كثيرٌ من مشاريع عمل السير الذاتية لأشخاصٍ
تتوقف بمجرد تصّور أشكالهم وهم مسنّين، و"إيديت" في سن 47 عاما كانت
تبدو كامرأة في الثمانين، وقال أحد النقّاد أنّ أحد متقمصي شخصية معروفة بدا
كالسلحفاة بعد أن تمّ وضع مساحيق المكياج على وجهه، حيث يصعب تمثيل دور شخصية
مسنّة ظهرت بشكل آخر أكثر شبابا في بداية العمل، وفي فيلم "الحياة
الوردية" لم تكن هناك أي لحظة شك، فشعرها هو نفسه، وتستطيعون التأكد من ذلك
من خلال مقاطع الفيديو لحفلاتها الغنائية. أنا أنسى أن ما أراه ليس إلا
"ماريون كوتييار" التي لم أكن أعرفها من قبل ولم أرَ شكلها الحقيقي،
ولكن بعد أن رأيت صورها لم أتوقع كل هذا الإختلاف. المكياج بحدِّ ذاته أصبح فنّاً
عريقاً.
الفيم حقّق نجاحاً
باهراً في دور السينما الفرنسية والعالمية لأنه يتحدث عن قصة حياة مشوشة ومعقدة
لواحدة من أساطير الغناء الفرنسي، ولفت انتباه الجميع الأداء المبهر للممثلة
"ماريون كوتييار" التي تقمّصت الشخصية بشكل يصعب تمييز الفرق بينها وبين
الشخصية الأصلية، وهنا تكمن موهبة الفنان. "الحياة الوردية" أو "La Vie En Rose" هو عنوان أفضل
أغانيها وأكثرها نجاحاً، ربّما لأن جميع المعجبين تمنّوا أن تكون حياة
"إيديت" وردية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق