Stranger Than Fiction
حكاية أدبية خرافية حول حياة وموت
"هارولد كريك"
الممثل "ويل فيريل" يلعب دوراً مختلفاً عن المعتاد، ويثبت لنا
أنّه فنان متميز مثل "روبن وليامز" و"ستيف مارتن". إنّه من
القلّة الذين اشتهروا بالأدوار الكوميدية وأبدعوا في الدراما. يلعب هنا دور محصّل
ضرائب يدعى "هارولد كريك"، والذي يعيش حياة هادئة بسيطة في شقة صغيرة.
وأخيراً ساعة يده تتعب من هذه الحياة وتقرّر بشكل غامض أن تغيّر مجرى الأمور.
"هارولد" يبدأ بسماع صوتٍ أنثوي في رأسه يصف حياته الخاصة، ليس
سلفاً، بل يبدو كالسرد القصصي بأنّ الأمر قد حدث للتو!! فمثلاً: يقوم
"هارولد" الآن بتنظيف أسنانه، ونحن نستمع وهو يستمع للصوت الذي يقول:
"هارولد كريك قد نظّف أسنانه"!! وهكذا.
يقوم باستشارة طبيبة نفسية وهو مقتنع بأنه يسمع قصة حياته اليومية في رأسه،
وأيضاً يلجأ إلى أستاذ جامعي متخصّص في علم النفس يدعى "جولس هيلبرت"
والذي يقوم بشكل منهجي بتفقّد بعض الأمثلة، ويصل في النهاية إلى قائمة بأسماء
الروائيين الأحياء الذين قد يكون أحدهم يكتب هذه "الحكاية". غير أنّه لم
يشمل في القائمة اسم الكاتبة "كاي إيفل"، لأنّه مقتنع بأن قصة
"هارولد" عبارة عن كوميديا، وكل روايات تلك الكاتبة تنتهي بالموت!! ومع
ذلك، "كاي إيفيل" بالفعل هي من تكتب قصة حياة "هارولد". ما يعجز
"هيلبرت" عن رؤيته هو أنّ القصة تنتهي بموت "هارولد"، وهذا هو
المحرّك للحكاية الخرافية.
في هذه الأثناء، أمرٌ مذهلٌ يحدث. يقوم "هارولد" بأداء عمله
اليومي كمحصّل للضرائب، ويذهل إلى "آنا باسكال"، وهي شابة مفعمة
بالحيوية وتدير مخبزاً صغيراً، و"هارولد" يبدأ بالتفكير بها. الحب أبداً
لم يلعب دوراً في حياته، وأيضاً من المستبعد أن تقبل هي بعلاقة مع محصّل ضرائب،
فالجميع يعلم أنّ محصّلي الضرائب هم أعداء أصحاب المتاجر.
كم من النادر أن نجد فيلماً يدعونا للتفكير في علاقتنا بالفن الأدبي
والسينمائي. إنْ كانت رواية "كاي إيفل" ستكون تحفة فنية بموت
"هارولد كريك"، فهل هو لديه الحق في أن يعيش؟؟ أو على الجانب الآخر، هل هي
لديها الحق في أن تقتله من أجل عملها؟؟ "يجب عليك أن تموت.. إنها تحفة
فنية"!!
لكن الحياة الآن فقط بدأت تثير اهتمام "هارولد" بتطوّر علاقته مع
"آنا باسكال". إنه لا يريد الموت، وبعد سنوات طويلة من اخلاصه في واجبات
العمل لا يبدو واثقاً من واجبه الأساسي. إنّه شخص لطيف جداً، ويكره أن يخيّب آمال
"إيفل". "هارولد" نفسه لم يقم أبداً بفعل شيء ضخم ككتابة تحفة
فنية.
"هارولد" يفضّل أن لا يقوم بتحصيل الضرائب وأن لا يموت. لكنّه
حقّاً رقيق وطيّب القلب لدرجة أنّ رغبته الثانية تتطلّب الكثير من البحث عن الروح.
إنه لأمرٌ آسر وجذّاب أن نشاهد "هارولد" و"آن باسكال" يشاركان
في رحلة البحث هذه بشكل غير مباشر. "إيفيل" نفسها تعاني ضغطاً نفسياً،
فهي تدخّن بشراهة ولديها نيّة في الإنتحار.
المخرج "مارك فورستر" الذي قدّم لنا سابقاً الفيلم الرائع
"العثور على نيفرلاند"، يعود من جديد إلى القمّة بشيءٍ مغاير تماماً، حيث
نرى المباني العالية وصخب الحياة في شيكاغو، فقد استطاع أن يجعلنا نعيش في عالمين:
العالم الخارجي وعالم "هارولد" الخاص.
عمله مع الممثلين مبني على الجدّية البسيطة، ولا يحاول أن يفرض آراءه
عليهم، بل يستمع إليهم. "ويل فيريل" كان الأنسب لهذا الدور بعد بحث طويل،
وقدّم "هارولد" بالشكل المطلوب تماماً، بخجله وطيبته وغرابة أطواره.
"ماغي جيلينهال" استطاعت أن تؤدي شخصية "آنا باسكال" بكل
إتقان وإبداع، وكذلك الفنان المخضرم "داستن هوفمان" أثبت أنّه مبدع بكل
المقايييس في شخصية الأستاذ "هيلبرت".
"إيما تومبسون" هي فنانة بريطانية موهوبة من الزمن الجميل،
أحببناها في أفلام العصور القديمة، وهنا تسيطر على الشاشة بشخصيتها المميزة التي
تحرّك أحداث الفيلم وفق رغبتها الخاصة، أقصد هنا "كاي إيفل". الفنانة "كوين
لاتيفا" أبدعت بدور الناشرة التي تعمل مع "إيفل"، فقد كان وجودها
مهم في أحداث الفيلم.
فيلم "أغرب من الخيال" هو رحلة تأمّل،
فن ورومانسية، وتذكير بمسئولياتنا الكثيرة في الحياة. هذا الفيلم بشكل استثنائي
مليء بالذكاء والعبقرية، وهو من الأفلام الفريدة من نوعها بفكرته المبتكرة، وقد تمكّن
من أن يعبث بمشاعرنا وأن ينسينا أنّ القصة هي حقاً أغرب من الخيال. مقدمة الفيلم
تتطلب منّا الدخول إلى عوالم تلك الشخصيات الهادئة الغريبة. النهاية هي عبارة عن
"تسوية"، وليس الفيلم هو المسئول عن تلك التسوية. المسألة تعود كلياً
إلى الشخصيات والقرار قرارهم. هذا الأمر جعلني أبتسم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق