War Horse
وليمة بصرية حول رهبة الحرب وجمال الصداقة
اللقطات الأخيرة
لفيلم "حصان الحرب" ستثير عواطف كل عشاق السينما. السماء مطلية بغروبٍ أحمر
كثيف. فارسٌ وحيد يُرى من بعيد في الأفق. الفارس يقترب ويترجّل، ويعانق رجلاً
وامرأة، والموسيقى تتضخّم. تلك اللوحة الغنيّة بألوانها وإطارها الدرامي، أعتبرها
من أجمل ما شاهدت في السينما.
الفيلم جريء ولا
يخاف من العواطف، ويجعل كل فصول القصّة منظّمة ومتسلسلة بشكل رائع ومميّز. الشخصيات واضحة المعالم وتمّت
تأديتها بقوة من قِبَل ممثلين مبدعين. إنه يحمل رسالة عالمية حول رهبة الحرب التي
يتألم ويموت فيها الإنسان والحيوان. تم اقتباس الفيلم من رواية لـ "مايكل
موربورغو" ومسرحية لـ "نيك ستافورد".
تبدأ الأحداث مع
أسرة صغيرة تعيش في مزرعة بالريف الإنجليزي. نلتقي بالشاب "ألبرت
ناراكوت" ووالده السكّير "تيد" ووالدته النشيطّة الحنونة "روز".
مالك مزرعتهم "لايونز" يضغظ عليهم كي يسدّدوا الإيجارات المستحقّة. هناك
مزاد على الخيول في القرية، وعين "تيد" تقع على حصان جميل يدعى
"جوي" ويبدأ في المزايدة عليه أمام مالك مزرعته "لايونز"، حتى
وإنْ كان ذلك يعني إنفاق مبلغ الإيجار كلّه.
"روز"
تُصدم لما تراه، فقد كان يفترض أن يحضر حصانَ حراثة بسعر معقول. ما يحدث هو أنّ
"ألبرت" والحصان "جوي" يتعلّقان ببعضهما ويصبحان صديقين،
ويبدأ بتدريبه على ارتداء الطوق المعدني وحراثة حقولهم الصخرية، وتحصل الفاجعة باندلاع
الحرب العالمية الأولى، ويقوم "تيد" ببيع الحصان للجيش.
"ألبرت" بقلبه المنفطر يعاهد نفسه على رؤية الحصان من جديد.
الآن تبدأ سلسلة
من الفصول المستقلة في حياة "جوي"، بانتقاله من الأيدي البريطانية إلى
الألمانية، ومروره بفترة استراحة عند مزرعة فرنسية يعيش فيها رجلٌ عجوز وحفيدته المريضة،
ثم يجد "جوي" نفسه وهو يجرّ مدفعاً ضخماً في ساحة المعركة. نرصد مجريات
الحرب على خط المواجهة في لقطات واقعية بقدر ما نراها في فيلم "إنقاذ الجندي
راين". الرجال يُحاصَرون في الخنادق الباردة والموحلة، والخيول يُلقى بهم في تلك
الفوضى ويصابون بالتوتر والخوف وأحياناً الجنون.
يقابل
"جوي" عدداً من السادة وأغلبهم أشخاص يحترمون الخيول، ومع ذلك الحرب
ليست مكاناً للعواطف، مثلما نرى أحد الضبّاط وهو يلمّح بوحشية على أنّ الحصان هو
سلاح إمّا أنْ يُستخدم أو أنْ يُدمَّر. نشاهد "جوي" والخيول الأخرى وهم يَعدُون
بجموح خارج الخنادق ونعيش معهم حالة الذعر وهم عالقين في كومة من الأسلاك الشائكة
وكيف يتمزّق لحمهم وهم يحاولون التخلّص منها. هناك واحدٌ من تلك المَشاهد للهدنة
المؤقتة، حيث نرى جنديين، أحدهما بريطاني والآخر ألماني، يتقابلان في ساحة القتال
ويتبادلان قواطع الأسلاك لإطلاق سراح الحصان. لقد كان مشهداً مؤثراً جداً ويدعونا
للتفكير.
مركز الفيلم
يتحوّل إلى سلسلة من القطع المتلاحقة. حبكة القصة تنبعث من البطل اليائس
"جوي"، والذي يجعل مشاهدتنا لمغامراته مؤلمة للغاية. المخرج المبدع
"ستيفن سبيلبيرغ" يزيد من عظمة "جوي" ويوفّر للفيلم نهاية
سعيدة غنيّة بالمشاعر وتعتمد على مجموعة من المصادفات الغير متوقعة، وأعتقد أنّه
يجب أن تكون على هذا النحو لنتحمّل مشاهدة قصصٍ كهذه، ويذكرنّي ذلك بفيلمه السابق
"قائمة شيندلر". ستّة ملايين من اليهود تمّت إبادتهم في الحرب العالمية
الثانية، ولكنّه ركّز على مئاتٍ من الذين نجوا بأعجوبة، وبذلك يجعل من القصّة
المأساوية قصة يُمكن احتمالها ببصيص أملٍ ولو كان ضئيلاً.
الموسيقار العظيم
"جون ويليامز" هو اليد اليمنى لـ "سبيلبيرغ" ويرافقه في كل
أعماله بموسيقاه المذهلة. في هذا الفيلم يعيد إلينا مجد الموسيقى السينمائية
المليئة بالحيوية والرقّة وحسِّ المغامرة والفنتازيا. ترشّح الفيلم لنيل 6 جوائز
أوسكار لأفضل فيلم وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع وأفضل
تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
"حصان
الحرب" هو أحد أجمل أفلام 2011 ويستحق المشاهدة. إنّه عبارة عن لوحة زيتية
نرى من خلالها الأسرة المكافحة والجَد المحب لحفيدته وقائد الجيش الشهم، والأهم من
ذلك نرى جمال الصداقة ورهبة الحرب في عينَيّْ وحشٍ نبيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق