The Soloist
قصةُ صداقةٍ استثنائية بين موسيقارٍ مُشرَّد وكاتبِ عمودٍ صحفي!!
فيلم "العازف
المنفرد" وصل إلى درجات الكمال لأنّه يقدّم موضوعاً حسّاساً بتحدّي الأفكار
الاجتماعية والعاطفية. ما كان يمكنُ أن يكون تمريناً مُبكياً في العاطفة أصبح
تكريماً من أعماق الروح لقوّة الموسيقى وأهمّية الصداقة، وأقصد بذلك علاقة الصداقة
الاستثنائية بين موسيقار شوارع مُشرَّد وكاتب عمود في صحيفة "نيويورك
تايمز".
الصحفي "ستيف
لوبيز" يُشاهد الموسيقار "ناثانيال آيرز" لأول مرّة وهو يرتدي
ملابس رثّة وغريبة، ويبدو الأمر كما لو أنّه خرج للتو من حاوية قمامة، ومع ذلك
يُوِقف "ستيف" سيارته بجانب الشارع الرئيسي كي يستمع لما يعزفه ذلك
المُشرّد بآلته البالية. إنه يرى قصة إنسانية مثيرة للاهتمام حول موسيقى جميلة تتنافس
مع ضجيج الشوارع المزدحمة بمدينة لوس أنجلِس. عمود صحفي من 800 كلمة سيكون كافياً
لعرض القصّة التي من شأنها جذب اهتمام القرّاء، وقبل كل شيء يقوم "ستيف"
برحلة إلى الماضي الأليم الذي عاشه "ناثانيال"، ومن خلال ذلك يستطيع
رؤية الصورة الكاملة.
يعلم
"ستيف" لاحقاً أنّ "ناثانيال" كان عازفَ تشيلّو موهوب في
مدرسة جوليارد وقد عانى من انهيارٍ عصبيٍ حاد ولم يستطع إكمال دراسته. إنّه يرفض تناول
الدواء وتلقّي العلاج، ويجد الراحة في الموسيقى فقط. "ستيف" يبدأ برؤية
"ناثانيال" كـ "فرد" وليس كـ "موضوع عمود صحفي"،
فبالتالي يصبح صديق هذا الرجل المحطّم. هذه الصداقة تغيّر حياتهما بشكل غير
متوقّع.
ما إنْ تُصبح
المواضيع متعلّقة بالبشر تَصعُب الأمور كثيراً. "ستيف" يبدأ في التساؤل
حول دوافعه. هل جَذْب اهتمام القرّاء حول قصّة "ناثانيال" من شأنها أن
تساعده في تحسين أحواله؟ هل هو يستغلّه؟ هل مقالاته الإنسانية ستجلب مزيداً من
الخدمات لـ 90 ألفاً من المشرّدين في لوس أنجلِس؟ هل يمكنه أن يربط
"ناثانيال" بعالم الموسيقى الكلاسيكية في تلك المدينة؟ هل يمتلك الشجاعة
في أن يحافظ على علاقة صداقة مع رجلِ مشرّد؟
تم تقديم الفيلم
بصورة رائعة ومبهرة للغاية. المخرج المبدع "جو رايت" أتحفنا بفيلمين
يفوقان الروعة قبل هذا الفيلم، وهما "كبرياء وتحامل"
و"الكفّارة"، وقد سبق وأن كتبت مقالاً عنهما. في هذا الفيلم تناول
المخرجُ المواضيع بمشاعر صادقة وتجنّبَ التلاعبَ بالعواطف. قامت الكاتبة
"سوزانا غرانت" بكتابة النص السينمائي الرائع وقد اقتبسه من كتاب للصحفي
"ستيف لوبيز" الحقيقي، والذي سرد الوقائع الكاملة لقصّته مع
"ناثانيال".
استطاعت كاتبة
النصّ أن تنقل قصة واقعية وتجربة شخصية إلى شاشة السينما بأسلوبٍ رائع ومؤثّر
للغاية، مثلما استمتعنا بنصوصها المميّزة لأفلام لا تقل روعة عن هذا الفيلم، مثل:
"إلى الأبد – قصة سندريلا" و"إيرن بروكوفيتش" و"شبكة
شارلوت". الفيلم يرينا ما تعنيه الموسيقى الكلاسيكية لـ "ناثانيال"
وهوسِه الشديد بـ "بيتهوفِن" وموسيقاه. تم إنتاج الفيلم بعام 2009.
الفيلم حكيم بما
فيه الكفاية ليجعلنا ندرك أنّ هناك عازفان منفردان في هذه القصّة، أحدهما يعزف على
أوتار الموسيقى والآخر يعزف على أوتار الكلمات. إنّ "ستيف" هو رجل مطلّق
من الطبقة الوسطى ومدمن على عمله وليس لديه أصدقاء، وكذلك لا يعرف اسم جارِه، فقد
استقال من الحياة الواقعية وعاش في عالم الكتابة. حين يرى هذا الصحفيُّ المنطوي
انعكاسَ صورتِه في موسيقارِ شوارعٍ منعزل يتغيّر كل شيء.
الفنان
"روبرت داوني جونيور" يُظهر شخصية "ستيف" بأروع صورة، حيث
يُشعرِنا من خلال أدائه الرائع بتعاسة الحياة المنطوية وأهمية الانخراط في المجتمع
دون خوف أو خجل مما سيحدث. حين التقى "ستيف" بمجموعة من المشرّدين لم
نتوقّع أنّه سيهتم لأمرهم ويجعلهم أبطال أعمدته الصحفية، فأكثر الأشخاص يهربون من
مآزق كهذه ولا يقحمون أنفسهم في مشاكل أشخاصٍ لا تعنيهم ولا يكترثون لها.
الفنان "جيمي
فوكس" يعيش في عالمه الخاص بشخصية "ناثانيال"، وقد أبدع في إظهار
مشاعر الحزن والخوف والجنون. لقد مرّ بتحوّلات كثيرة في حياته حتى استطاع أن يقف
على قدميه من جديد ليجد الحب والعطف والصداقة التي أنقذته من الضياع.
برؤية
"ستيف" و"ناثانيال" وهما يناضلان من أجل إصلاح الكسور في علاقتهما
وبناء انسجام نفسي مشترك، سننبهر بالصداقة ومما تحقّقه للإنسان من راحة وسعادة
وحب. بعد كل شي، هذه الصداقة الاستثنائية وُجِدَت على أجنحة أوركسترا أثيرية،
والمخرج "جو رايت" ومؤلف الموسيقى "داريو مارينيللي" دفعا
الفيلم بقوّة ليصل إلى منزلة مرموقة سينمائياً ليتطابق مع جمال الموسيقى
الكلاسيكية التي ألهمتهُ ونفخت فيه الروح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق